دراما غزة متنفس يكبله الحصار والتقاليد(تقرير)
تتعدد الأسباب التي تحول دون وجود مساحة واسعة للحياة الفنية الدرامية في قطاع غزة، فالسينما والدراما والغناء والمسرح، وجودهم مرتبط بواقع اقتصادي وسياسي واجتماعي، فضلا عن العادات والتقاليد.
ويتسم مجتمع غزة بأنه محافظ وتحكمه العادات والتقاليد التي تحول دون إفراغ مساحة للفن الدرامي والمسرحي والغنائي، أو مشاركة النساء في هذه الأعمال، كما أن الحصار الإسرائيلي على القطاع ألقى بظلاله على هذا المجال.
ويفتقر القطاع لوجود مدن للإنتاج الفني، ورأى خبراء أن الأعمال الفنية الدرامية المحدودة الصادرة منه متواضعة جدا، وبتكاليف رمزية مقارنة مع الأعمال العربية والدولية.
ويعمل فنانو غزة في هذا المجال لإشباع هواياتهم، وليس كوظيفة، فالأجور متدنية والأعمال محدودة، كما لا توجد نقابة لهم.
ويقول الممثل الفلسطيني وليد أبو جياب إن إنتاج المسلسلات والأفلام يواجه عدة مشاكل في قطاع غزة، أبرزها غياب مدن الإنتاج الإعلامية والأستديوهات الخاصة.
ويضيف “للأسف يتم كشف العديد من حبكات المسلسل والشخصيات، لتجمهر الناس في أماكن التصوير في الشوارع، كما أننا نقطع التصوير عدة مرات بسبب الأصوات الخارجية”.
ويؤكد أبو جياب، بطل مسلسل “الفدائي”، أن حياته وحياة طاقم التصوير تعرضت للخطر أثناء تصوريهم عددا من مشاهد المسلسل؛ “فبعض مشاهد المسلسل الذي عُرض في رمضان خلال العامين السابقين، كان يتطلب منا التصوير في الأحراش والأراضي الزراعية، وهي موجودة على حدود القطاع مع إسرائيل وهي منطقة خطرة للغاية”.
ويستطرد “كنا نحمل الأسلحة ونرتدي في بعض الأحيان الزي العسكري، مما قد يجعلنا في خطر الاستهداف، أثناء تحليق طائرات الاستطلاع، والقرب من أبراج المراقبة الإسرائيلية، ظنّا منهم أننا مقاومون”.
ولا يمكن لأي فنان في قطاع غزة أن يعيش من وراء عمله الفني، كما يقول أبو جياب؛ “الفنانون الفلسطينيون يمارسون الفن كهواية وليس كوظيفة توفر لهم حياة كريمة، فـ90% من الفنانين موظفون في قطاعات حياتية مختلفة، والدراما الفلسطينية مبتدئة”.
ونشطت الدراما والسينما الفلسطينية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، حيث تم إنتاج نحو 15 عملا، معظمها تتناول القضية الفلسطينية، والحياة الاجتماعية، وطابع بعضها كوميدي.
ويرى المخرج الفلسطيني علي أبو ياسين أن واقع الفن الدرامي والمسرحي في قطاع غزة ضعيف في بعض مجالاته، إلا أنه في مجالات أخرى يبدو “متواضعا”.
ويضيف “الفن صناعة تحتاج إلى مبالغ مالية ضخمة، وهذا غير متوفر لدينا في قطاع غزة، مما يحول دون إنتاج أعمال يمكن أن تنافس على المستويات العربية والإقليمية والدولية”.
ويوضح أبو ياسين أنه “في الدراما مثلاً نعاني من نقص كبير في الإمكانيات، وفهم سطحي لاحتياجاتها، فعندنا الأعمال تُنتَج بمبالغ رمزية جدا مقارنة بالدراما العربية والدولية، وبالتالي من الطبيعي أنها ستكون ضعيفة من ناحية الديكور والإنتاج وحتى النص”.
ويمضي بالقول “الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية القاسية التي يعيشها ويغرق بها القطاع جراء الحصار والانقسام أثّرت بشكل كبير للغاية على الحياة الفنية”. ويبدو العمل في المسرح الفلسطيني -من وجهة نظر أبو ياسين- “كمحاولة النحت في الصخر”.
ولا تبدو المسارح المحدودة جدًا في قطاع غزة متوافقة مع المعايير الدولية للمسرح، فهي متواضعة للغاية، من حيث الإضاءة والصوت والمساحة.
ويلفت أبو ياسين إلى أن هناك “كنزا من الموهوبين الشباب الذين يموتون داخل غزة، لعدم وجود اهتمام بالحياة الفنية”.
ويشير المخرج الفلسطيني إلى أن متوسط العروض المسرحية التي تعرض على مدار العام ثلاثة عروض، أغلبها لمؤسسات وجهات معينة، لافتًا إلى أن التمويل هو من يحدد عدد الأعمال المسرحية.
من جانبه، يشير مدير دائرة “الإبداع والفنون” في وزارة الثقافة بغزة عاطف عسقول إلى أن “الحصار الإسرائيلي والحروب على غزة تركا أثرا واضحا وبصورة بالغة على الواقع الثقافي في القطاع بشكل عام”.
ويضيف “الحصار منع تواصل الفنانين الفلسطينيين مع غيرهم، أو السفر وتبادل الخبرات، والناس في غزة يعيشون ضغطًا مستمرًا، وأزماتهم من كهرباء وماء ومعابر أثرت عليهم بشكل واضح”.
ويستدرك “لكن الفلسطينيين خاضوا مجال الفن بأنواعه بإمكانيات متواضعة، رغم غياب المستلزمات والأكاديميات الفنية، ونجحوا في بعضه بشكل كبير مثل الأفلام الوثائقية”.
ويقول عسقول إن قطاع غزة يفتقر لوجود المسرح المتخصص، إذ لا يوجد سوى خمسة مسارح، ولكن هناك قاعات قد تسد غيابه.
وحول عدد الأعمال المسرحية أو التلفزيونية أو السينمائية الفلسطينية في القطاع، يلفت عسقول إلى أنه “لا توجد لدينا أرقام حول هذا، لأنه لا يطلب جميع القائمين على هذه الأعمال تصريحا لإتمام أعمالهم”.
ولا تصدر من قطاع غزة الأغاني الرومانسية، فالغناء هنا يعتمد على الأناشيد الوطنية والروحانية والتراثية، والساخرة، وظهرت بعض الفرق الفنية التي تقدم الأغاني التراثية، والعربية القديمة.
برز في السنوات القليلة الماضية العديد من الفنانين الفلسطينيين الذين يتناولون قضايا مجتمعية بقالب ساخر، ويقدمون “إسكتش” مسرحيا في الحفلات الشبابية الخاصة بالأعراس، وبعض المناسبات الأخرى.
ويشير عسقول إلى أن طابع العادات والتقاليد في القطاع ربما هو الذي يحول دون عمل مقاطع غنائية، “لكننا نحترم جميع التوجهات والحريات، وهناك شباب غزي شارك في برامج غنائية عربية وحقق نجاحا”.
وفاز النجم الفلسطيني محمد عساف، من مدينة خان يونس (جنوبي قطاع غزة) بجائزة برنامج الغناء العربي “أرب أيدول” عام 2013.
المصدر : وكالة الأناضول