عن ريم بنا.. صوت تحدّى السرطان بالغناء والأمل
بدأت رحلتها الفنيّة في منتصف ثمانينيّات القرن الماضي، مُتفرّدة بأسلوبها الغنائيّ الذي سرعان ما تحوّل إلى مشروع فنيّ يرتكز إلى القضية الفلسطينية، فلكلورًا وكلمًا وغناءً. مرّت خلال رحلتها بمحطات كثيرة، كان أهمّها وأبرزها إصابتها بسرطان الثدي عام 2009 وانتصارها عليه، والذي يعد أكتوبر من كل عام شهر التوعية حوله، لتعلن مجددًا عام 2015 إصابتها بالمرض مرة أخرى، حيث قالت إنها ستواجهه بابتسامتها وصوتها كما واجهته في المرة الأولى. عن الفنانة الراحلة ريم البنا، بمناسبة شهر التضامن مع المصابات بسرطان الثدي.
بالثوب والعلم الفلسطيني والكوفية، والابتسامة، ظهرت ريم بنا دائمًا في صورها وحفلاتها ومقابلاتها، وحمل صوتها الأمل والقوة والنضال، حيث غنّت التهاليل الفلسطينية التراثية بأسلوبها هي، بموسيقاها وصوتها الشجيّ، وتوزيعها، وغنّت للأطفال التراث الفلسطينيّ، كما سلّطت الضوء على معاناة شعبها في كل أماكن تواجده، وكانت تحمل الأمل في كل مرحلة من مراحل حياتها. تمسّكت به حتى في أشدّ ساعات مرضها، حيث قالت: «سأتجاوز هذه الفترة بسلام.. وسأنتصر على مرض سرطان الثدي المشاكس كما انتصرت في السابق.. وها أنا الآن أقترب من الشفاء.. لأنني قررت ذلك.. ولأنّي أحب الحياة.. ولأنّي أحب الناس.. ولأنّي أريد أن أغني أكثر وأقدّم لشعبي ولبلدي أكثر».
وحتى بعد رحيلها، بقيت رسالة الأمل والنضال ومقاومة الظلم والاحتلال التي اتخذتها مسارًا واضحًا طوال رحلتها الفنيّة حاضرةً تُعبّر عنها وبصوتها، إذ صدر ألبومها الأخير بعنوان «صوت المقاومة» في أبريل 2018، بعد نحو شهر على وفاتها. أما عن فكرة الألبوم فقد ولدت بعد اكتشاف إصابتها بمرض السرطان مرة أخرى في أيار عام 2015، حيث أخبرها الأطباء أنها لن تتمكّن من الغناء بسبب حالة شلل جزئي أصابت أوتارها الصوتية، فقرّرت وفريقها إنتاج ألبوم غنائيّ يضم قصائد تلقيها بصوتها ممزوجةً مع موسيقى إلكترونية بتوزيعات مختلفة، تعبيرًا عن روح الإنسانية والمقاومة والعدالة والحرية التي جسّدتها حتى آخر نفس.
جسّدت ريم بنا خلال مسيرتها التي أصدرت فيها 18 ألبومًا غنائيًّا مُتنوّعًا، بوصلته فلسطين وقضاياها وتراثها، صوتَ شبابٍ فلسطيني وعربيّ يهتف للحريّة والصمود في مواجهة الظلم والهتاف من أجل فلسطين في كل المحافل، كما غنّت شعراء فلسطينيين وعرب بأسلوب مُتفرّد لم يسبقها فيه أحد، مثل محمود درويش وسيمح القاسم وتوفيق زيّاد وغيره. غنّت أيضًا عشرات الأغاني التي عبّرت في كل واحدة منها عن حالة شعورية وعاطفية ووطنيّة، مثل: “هلا لالا ليا وهلا لالا ليا عيني يالبنية”، و”يا ليل ما أطولك مشيتني حافي ميزان ما أثقلك هديتلي كتافي”، و”قمر أبو ليلة شو تعشيت الليلة ..خبزة وزيت وزعتر بس مع لبنة شبعنا أكتر”. لقد مَثّلت ريم بأغانيها ذائقة الفلسطينيّ في كل مراحله، طفلًا فصبيًا وشابًا فرجلًا وكهلًا.
واجهت ريم المرض بكل قوّة، مثلما واجهت الاحتلال بأغانيها وبنشر الموروث الغنائيّ والشعبيّ الفلسطيني، فالقوّة والمواجهة والأمل بالنسبة إليها مفاهيم راسخة وشاملة. ففي سنواتها الأخيرة، نشرت عدة صور بشعر قصير للغاية، نظرا لجرعات العلاج الكيماوي التي كانت تتلقّاها لعلاج سرطان الثدي، كتبت على إحداها: «هذه ليست موضة ولا صرعة ولا نيو لوك، إنها مرحلة جديدة من حياتي.. هي مرحلة مؤقتة.. مدتها أشهر قليلة.. فيها سأختبر نفسي للمرة الثانية.. وأعرف أنّي سأكون قادرة على اكتشاف روحي أكثر.. وقوّتي وشجاعتي بشفافية مُطلقة ومُعلَنَة».
لقد منحت ريم بنا الأمل للملايين من متابعيها، إن على منصات التواصل الاجتماعيّ أو من أهلها وجمهورها في كل مكان، ومنحت أملًا خاصًّا ومثالًا فردًا للتحدّي، ليس تحدّي الاحتلال والظلم فقط، إنما أيضًا تحدّي المرض ومواجهته بالابتسامة والغناء والثقة بالانتصار عليه إذا ما تحلّى المرء بالشجاعة والهمّة والروح. رحلت ريم، “صوت النضال الفلسطينيّ”، في 24 مارس 2018، بعد أن مثّلت بصوتها الفلسطينيين، وعبّرت عنهم، وحملت أغانيهم وتراثهم وهمومهم وفلسطينيّتهم، ذلك الهم الذي حملته بكل حب، إضافة إلى هَمّ المرض الذي دعت دائمًا لاتخاذ الأمل سلاحًا في مواجهته، والابتسامة الحقيقية، وفي شهر التوعية بسرطان الثدي، ندعوكنَّ إلى الاستمرار بذات الطريق التي سلكتها ريم في تحدّي المرض، والاحتلال..