«إن أمطرت ع بلاد بشِّر بلاد».. أمثال فلسطينية عن فصل الشتاء
«إن أمطرت ع بلاد بشِّر بلاد»، و «إن طلع سهيل لا تآمن من السيل لون طال الليل»، و «إن أبرقت على الصليب ما بتغيب»، و «إن غَيَّم سماها إبشر بماها»، أمثالٌ شعبية فلسطينية تُظهر تنوَّع الموروث الشعبيّ الفلسطينيّ وتعبيراته حول فصل الشتاء، وخصوصيّته لدى الفلاح وانتظار أول علامات مجيئه، فيتفاعل معه حتى قبل حلوله، إذ يَعُدُّ اقترابَهُ بشرى له ولأرضه ولمزروعاته طول العام، ويأمل فيه الخير الكثير المُمتدّ على كل البلاد.
فقد خَصَّ الفلاح الفلسطينيُّ «نجم سهيل» في أمثاله الشعبية لما له من دلالة في ظهوره على بداية موسم الأمطار، وينتظر البرق في عيد الصليب (27 أيلول) الذي يعني أن المطر صار وشيكًا، كمان أنه يرقب حركة الغيوم، فإذا ظهرت في السماء فإنها تُبشِّر ببداية موسم مطري زاخر بهطول الأمطار والبرد الشديد لأسابيع طويلة.
ولاهتمامه الكبير بفصل الشتاء، مَيَّزَ كُلَّ شهر من شهوره بأمثال شعبية خاصة تعكس طبيعتها وأجواءها، فوصف شهري تشرين الأول والثاني بأنهما يُبكيان الأمعاء، فقال: «تشرين برده ببكِّي المصارين»، ولاشتداده لأيام طويلة طوال النهار والليل في كانون الأول والثاني، دعا الفلاح أهل بيته وأقاربه «في كانون الأصم فوت بيتك وانطمّ»، حتى تأتي الثلجة التي يرى فيها بداية انحسار هذه الأجواء الباردة: «إن استرق غيمها أثلجت» و «إن أثلجت أفرجَتْ».
أما عن شهر «شباط»، فقد قال: «شباط ما عليه رباط» – وهو مَثَل شعبي يعكس التقلب المناخي في هذا الشهر، الذي قد يكون غزير الأمطار وباردًا جدًّا يؤثر على الصغار والكبار، فقال عنه: «شباط عدو العجايز» و «شباط حر العنزة بالرباط»، وعلى النقيض، قد تكون أيامه شديدة الحرارة تنذر باقتراب الصيف: «شباط شبَّط ولبَّط وريحة الصيف فيه»، و «شباط شَبَّطنا وربَّطنا وروايح الصيف أجتنا».
ويعود الفلاح الفلسطينيُّ ليعبر عن مطر آذار بعد تقلُّبات شباط، الذي تبدأ فيه «الأيام المستقرضات» أو «أيام العجائز»، وهي 7 أيام تتميَّز بشدة بردها وأمطارها الكثيرة، فقال على لسان ‘شباط’: «آذار يا ابن عمي أربعة منك وثلاثة مني»، وقال: «آذار الهدّار فيه الزلازل والأمطار وفيه سبع ثلجات كبار غير الزغار»، و «آذار مرّة شميسة ومرة أمطار»، و «آذار أوله سقعة وآخره نار»، و «إن أخصبت وراها آذار وإن أمحلت وراها آذار».
وفي آذار، يعود الدفء إلى الأرض، وتعود حياة الفلاح تدريجيًّا إلى ما كانت عليه، فتتكاثرُ الطيور وتورق الأشجار وتنمو الأعشاب والخضرة وترتفع درجات الحرارة: «في آذار بعشِّش الدور وبتورق الأشجار، بحمِّش اللبن وبكثر الحشيش وبيرجع الكديش»، ورغم ذلك، يبقى مُتطلِّعًا لشتاء نيسان لتُروى أرضه وزراعته، فيقول: «شتوة نيسان بتحيي الإنسان» – «بتسوى العِدَّة والفدَّان» – «جواهر ما إلها أثمان» لأنه يرى أن «نيسان بلا شتا مثل العروب بلا جلا».
لقد حظي فصل الشتاء بمكانة كبيرة في الأمثال الشعبية الفلسطينية، ونال خصوصيّة كبيرة، إذ وثَّق الفلاح بأمثاله كل المراحل التي يعيشها في هذا الفصل، حتى أنه عبَّر عن ضيقه ومن حوله بأيام وليالي البرد الطويلة لعدم قدرتهم على الخروج من منازلهم «الشتا ضيق ولو إنه فرج». وحتى في المواسم التي يكون فيها المطر شحيحًا، يدعو بأن ينزل الله المطر، فيقول: «ساعة من ساعاته بتقضي حاجاته»، كما أن فيه حَثُّ على عدم القنوط والبُشرى بالخير الكثير..