شباط وآذار في الأمثال الشعبية الفلسطينية
وثَّق الفلاح الفلسطيني في أمثاله الشعبيّة خصوصيّة شهري شباط/فبراير وآذار/مارس؛ فرغم أن كانون هو الأشدّ بردًا بالنسبة إليه في فصل الشتاء لوجود أيام «المربعانيّة» فيه، إلّا أنه يرى أن «شباط ما عليه رباط»، نظرًا لطقسه المتقلب – شديد البرودة في بعض أيامه وشديد الحرارة في بعضها الآخر، ورغم أن آذار يتشارك معه في حالة الطقس غير المُستقرّة هذه، إلا أنه يُعدُّ شهرًا مفصليًّا بالنسبة للفلاح ومزروعاته، فـ «آذار فلّاح السنة ومحلها»، لأن أمطاره مهمة للزرع، وهطولها يعني موسمًا غنيًّا ووفيرًا وانعدامها يعني العكس تمامًا، ومن هنا تأتي مكانته الكبيرة.
«سرحنا أول شباط ع زراعة العنبات»، في هذا المثل الشعبيّ، يُعلنُ الفلاح بدء موسم زراعة العنب في أرضه، مع بداية انتعاش الأرض والخضرة، وبدء الأعشاب والمزروعات بالنموّ، ويقول أيضًا: «بشباط بشبع الحولة من الرباط». وعبّر الفلسطينيّ عن الـ12 يومًا الأولى من شباط الأشدّ بردًا خلال أيام الشهر، والتي يُسمّيها بـ (سعد ذابح/الذابح)، بكثير من الأمثال الشعبية، منها: «سعد دابح البرد فيه دابح»، و«سعد دابح ما بخلي ولا كلب نابح».
وقال أيضًا: «في شباط بضبوا العير في الرباط» و «في شباط، جر العنزة بالرباط»، للدلالة على البرد والأمطار. وعلى النقيض، ضرب أمثالًا أخرى لشدة الحرارة في بعض أيامه: «في شباط بعرق الأباط» و«شباط شبَّطنا وربَّطنا، وروايح الصيف أجتنا»، كما أنه كان يُذكّر نفسه دائمًا: «امشي على غيم كانون ولا تمشي على نقا شباط»، لأنه تعلّم الحذر من طقس شباط المتقلب.
أما في سعد السعود وما بعده، وهي الفترة ما بين 25 شباط و10 آذار، قال عنها الفلّاح: «بسعد السعود بتدور الموية في العود وبدفا كل مبرود (أو كل مولود)»، ويُضربُ هذا المثل دلالةً على انتشار الدفء وبداية اخضرار النباتات، إذ إن «آذار أوله سقعة وآخره نار»، في إشارة إلى طقسه البارد نسبيًّا في أول أيامه ومن ثم يبدأ بالدفء شيئًا فشيئًا حتى آخره، ولهذا السبب «في آذار العجوز ما بتفارق النار»، وفي هذا الشهر المزاجيّ: «آذار مرة شميسة ومرة أمطار»، و «آذار الهدار فيه الزلازل والأمطار وفيه سبع ثلجات كبار غير الزغار».
ووصف الفلّاح فضل آذار على الأشجار والطبيعة بالمثل الشعبيّ: «آذار بيحيي الأشجار»، كما تنتشر فيه الخضرة ويصبح الجو مناسبًا للرعي: «في آذار اطلع بقراتك من الدار»، وفيه يتساوى الليل والنهار: «في آذار بيلتقي الليل والنهار»، وفيه يعود الدفء إلى الأرض، وتعود حياة الفلاح تدريجيًّا إلى ما كانت عليه، فتتكاثرُ الطيور وتورق الأشجار وتنمو الأعشاب والخضرة وترتفع درجات الحرارة: «في آذار بعشِّش الدور وبتورق الأشجار، بحمِّش اللبن وبكثر الحشيش وبيرجع الكديش».
لقد مَيَّز الفلسطينيّ شهري شباط وآذار بأمثال شعبية خاصة لمكانتهما في حياته، فجمعهما في مثال واحد، حيث قال على لسان ’شباط‘: «آذار يا ابن عمي أربعة منك وثلاثة مني»، وهي 7 أيام تتميَّز بشدة بردها وأمطارها الكثيرة، تُسمّى «الأيام المستقرضات» أو «أيام العجائز»، وقال أيضًا في خصوصيّة آذار: «في آذار افطم ابنك لو إنه قد الشنار»، في إشارة لاشتداد درجات الحرارة الأمر الذي يجعل الرضاعة الطبيعية للطفل أو الرضاعة بشرب حليب الأغنام أو الأبقار ضارة أحيانًا نظرًا لإمكانية تخثره نظرًا لاشتداد الحرارة، لكنه دائمًا ما اعتمد في أمثاله على خصوصيّة الأرض، وامتلاكها، والعمل فيها، فقال: «اللي ما عنده عطن ما إله وطن».