“قطوف الخير”.. كليب يوثق معاناة الشهر الفضيل وسط الحصار والدمار

 

رمضان في غزة وجه آخر وفصل من فصول الصمود والتحدي والأمل، يأتي محمّلًا بالمعاناة، بزينة خجولة تضيء ماتبقى من شوارع ومباني وحارات! أودون موائد عامرة تجتمع حولها العائلات، ودون أجواء الفرح التي ترافق استقبال الشهر الفضيل في معظم البلدان. في قطاع يعيش تحت الحصار والقصف، تصبح الروحانيات الرمضانية تجربة من التعايش مع الألم، وليس احتفالًا كما يراه العالم. هذا الواقع هو ما ينقله العمل الفني الجديد “ قطوف الخير “، وهو كليب غنائي يصوّر كيف يستقبل الغزيون هذا الشهر وسط الدمار والجوع وفقدان كل مقومات الحياة الطبيعية.

الكليب، الذي تم تصويره بالكامل في القطاع، يروي تفاصيل رمضان الحقيقي كما هو، دون إضافات تجميلية أو محاولات لتزييف المشهد. إذ يستعرض كيف يحاول الناس التعايش مع الركام، وكيف يجتمع المصلّون داخل مسجدٍ تهدم جزء كبير منه، وكيف يصنع الأطفال فوانيسهم الخاصة من علب الطعام المعلبة التي أصبحت رمزًا للجوع والاضطرار بعد أشهر طويلة من الحصار. إنها محاولة بصرية لتوثيق كيف يبدو الشهر الفضيل في غزة، حيث الفرح ليس خيارًا متاحًا، بل مجرد محاولة للصمود في وجه القهر.

على مدار الأشهر الماضية، كان الأطفال في غزة يستيقظون وينامون على صوت فتح علب الطعام المعلبة، لم يكن هناك وجبات ساخنة أو مائدة تجمع العائلة على إفطارٍ متنوع، بل كانت العلب المعدنية هي الوجبة الوحيدة التي استطاع الغزيون الاعتماد عليها للبقاء على قيد الحياة. الأطفال الذين كانوا يخافون من هذه العلب ويعتبرونها رمزًا للجوع، قرروا تحويلها إلى فوانيس، في محاولة منهم لصناعة شيء يشبه الفرح وسط الدمار. لم يكن ذلك مجرد مشهد فني ضمن الكليب، بل حقيقة عاشها الأطفال الذين فقدوا منازلهم وأحلامهم، ولم يجدوا في الأسواق زينة رمضانية كما في الأعوام السابقة.

في هذا العمل، كان الهدف هو نقل الصورة كما هي، دون مبالغة أو تزييف للمشهد. فالصلوات تُقام وسط الركام، والقرآن يُتلى من مصاحف ممزقة أُخرجت من تحت الأنقاض، والمياه تُشرب من أكياس بلاستيكية لأن الأكواب لم تعد موجودة، حتى الملابس الرمضانية البسيطة لم تعد متاحة، إذ لم يجد فريق العمل جلابية واحدة لأحد الأطفال، لأن كل شيء احترق.. الملابس، الألعاب، البيوت، وحتى الأحلام.

لم يكن التصوير مهمة سهلة، فالوصول إلى مواقع التصوير كان تحديًا بحد ذاته، إذ لا توجد مواصلات، والطرق غير صالحة، وحتى أبسط معدات الإضاءة كانت شبه مستحيلة التوفير. ورغم كل ذلك، خرج الكليب بصور تحمل الحقيقة دون تجميل، وتنقل واقع رمضان في غزة كما هو، بوجوه شاحبة، وأجساد متعبة، وقلوب أنهكها الألم.

لم يكن العمل مجرّد إنتاج غنائي، بل كان رسالة تحملها أصوات منشدين وموسيقيين اجتمعوا لنقل هذه الصورة إلى العالم. فقد جاءت الكلمات من كتابة عمرو شكيب، فيما وضع الألحان عبد المجيد عريقات وعمرو شكيب، وأدى النشيد بصوته عبد المجيد عريقات، وشارك في التوزيع والمكساج محمد خيرة، وعزف البيانو أحمد الزميلي، بينما حمل فريق التصوير والإنتاج مسؤولية نقل المشهد كما هو، بكل تفاصيله الحقيقية، دون تدخل أو تعديل.

“قطوف الخير دنت وأقبل جانيها وسعت”.. هكذا تبدأ كلمات النشيد، لكنها في غزة تأخذ معاني مختلفة، حيث الخير ليس وفرة، بل قناعة بالقليل، والروحانية ليست طمأنينة، بل محاولة للاستمرار في الحياة وسط الرماد. في رمضان، تلتئم الجراح الروحية عادة، لكن في غزة، لا تزال الجراح تنزف، ويظل الشهر الفضيل شاهدًا على واقع لا يمكن لعدسات الإعلام التقليدي أن تنقله بالكامل.

رمضان في غزة سيظل مختلفًا، ليس لأنه أكثر روحانية، بل لأنه أكثر قسوة، وأكثر احتياجًا للأمل الذي يبدو بعيدًا. في يوم ما، ستعود الفوانيس إلى الأسواق، وستعود الزينة تملأ الأزقة، وسيتحرر رمضان من كابوس الحصار. لكن حتى ذلك اليوم، سيظل الغزيون يجدون طرقًا جديدة لصناعة الضوء، حتى لو كان من بقايا علب الطعام التي أرغمتهم الحرب على التعايش معها. لأن النور، كما يعلمون جيدًا، يولد دائمًا من حلكة الظلام.

 

Hide picture