“فضيت مطارحنا”: سيمفونية الحزن والصمود في غزة
في غزة، حيث يتشابك الألم مع الأمل، يخرج العمل الفني “فضيت مطارحنا“ كصرخة بصرية ونغمية تعبر عن أعماق المعاناة الإنسانية. العمل، الذي قدّمه الفنانان عبد الرحمن الغصين وعبد الرحمن أبو حصيرة عبر تلفزيون فلسطيني، يمثل لوحة فنية حية تسرد تفاصيل مأساة الفقد التي تعبر عن حكايتهم الحقيقية، لكنها في ذات الوقت تشكل مزيجًا من المقاومة والصمود الذي لا يُقهر.
عبد الرحمن أبو حصيرة: الناجي الذي يحمل ذاكرة 45 شهيدًا
عبد الرحمن أبو حصيرة، الشاب الذي ظل وحيدًا بعد أن ابتلعت مجزرة إسرائيلية عائلته ففقد 45 من أحبائه في نوفمبر 2023. بين فقدانه لوالديه وأشقائه وأفراد عائلته الممتدة، يعيش أبو حصيرة تجربة وجودية تختلط فيها الوحدة بالحنين. ومع ذلك، استطاع تحويل هذه الندوب العميقة إلى عمل فني يُبرز القوة التي تنبع من الألم.
من خلال مسيرته كقارئ قرآن ومنشد ديني، اكتسب أبو حصيرة مكانة فنية مميزة، حيث فاز في العديد من المسابقات وحظي بتقدير واسع. وفي هذا الكليب، يروي بقوة مؤثرة تفاصيل حزنه العميق، مُستعينًا بصوته ليبني جسورًا بين ذاكرته وذاكرة وطنه.
عبد الرحمن الغصين: صوت الألم الذي لا يخبو
عبد الرحمن الغصين، شاب فلسطيني نشأ بين أزقة غزة وصخبها، حيث أضحت الحياة اليومية امتحانًا للصبر والقوة. دُمّر منزله في بداية العدوان، ليفقد بعد ذلك والدته وأخته الصغيرة في مايو 2024، قبل أن يخسر والده بعد ذلك بأشهر قليلة. لكنه، وبرغم المآسي، يواصل حمل راية الأمل والمسؤولية تجاه أشقائه الصغار.
منذ نعومة أظافره، أبدع الغصين في مجال الإنشاد وقراءة القرآن الكريم. تميّز صوته بعمق روحاني وجمالية مميزة، مستندًا إلى تدريبٍ دؤوب وحبٍ كبير للمقامات الفنية، في “فضيت مطارحنا“، يترجم الغصين هذا الإرث الفني ليجسد ألمه الشخصي، متحولًا إلى صوتٍ يجمع بين الحزن والإصرار، بين الفقد والتطلع لمستقبل يحمل بصيص أمل.
“فضيت مطارحنا”: عمل فني يتجاوز الحصار
يروي هذا الكليب قصة إنسانية بلمسات فنية متقنة، حيث تم إنتاجه بالكامل في شمال قطاع غزة تحت ظروف قاسية. يعكس العمل تجارب فردية وجماعية، حيث يُبرز بصريًا ونغميًا مظاهر الدمار والمعاناة، بينما ينقل رسالة أمل متجددة تتحدى كل أشكال القهر.
استطاع فريق الإنتاج المحلي، رغم انعدام الموارد، أن يقدم رؤية فنية جريئة، مستخدمًا تقنيات تصوير رمزية تربط بين الواقع المأساوي والسرد الشخصي. كل مشهد في الكليب يحمل معانٍ أعمق مما يبدو على السطح، ليصبح العمل مرآةً تعكس واقع غزة وأحلام أبنائها.
تلفزيون فلسطيني: منصة للصوت المقاوم والإبداع المحاصر
من خلال تقديم “فضيت مطارحنا“، يعزز تلفزيون فلسطيني دوره كمظلة داعمة للفن الفلسطيني المقاوم. يوفر التلفزيون مساحة حيوية لنقل قصص المبدعين، مما يسهم في الحفاظ على الهوية الثقافية الفلسطينية في مواجهة محاولات الطمس والتهميش.
يشكل عرض هذا العمل رسالة إلى العالم: بأن غزة ليست مجرد مكان للحرب والموت، بل هي بيئة تنبض بالإبداع والمقاومة، حيث يُوظَّف الفن كسلاح ناعم للتعبير عن المعاناة ولتعزيز الصمود.
البُعد الرمزي للفن كأداة مقاومة
“فضيت مطارحنا” هو أكثر من مجرد كليب؛ إنه شهادة حية على أن الفلسطينيين قادرون على تحويل المأساة إلى قوة دافعة للإبداع. يعبر العمل عن الوفاء للقيم التي غرسها الأحبة الذين رحلوا، مشددًا على أن الفقد لا يُضعف الإرادة، بل يعززها.
يمثل الكليب تجسيدًا للعلاقة بين الذاكرة والهوية، حيث يصبح الفن وسيلة لإبقاء القصص حية، ولتعميق الفهم العالمي للواقع الفلسطيني. إنه نداء من غزة إلى العالم، يدعو إلى الاستماع والوقوف بجانب شعب يسعى للحياة رغم كل شيء.
“فضيت مطارحنا” متاح للمشاهدة عبر الرابط التالي: فضيت مطارحنا