الحرب الإسرائيلية على الرواية الفلسطينية من خلال استهداف الدراما والفن
في الوقت الذي تشتد فيه المعارك في الميدان، تدور معركة من نوع آخر على شاشات التلفزة وصفحات الإعلام: معركة الرواية، حيث تُقاتل إسرائيل بشراسة لمنع وصول الصوت الفلسطيني إلى العالم، خاصة حين يكون عبر الفن والدراما، لأن الكاميرا حين توثق الحقيقة تصبح أخطر من الرصاصة.
هذا ما يحدث اليوم مع المسلسل الفلسطيني “نزيف التراب“، الذي يتعرض لهجمة إسرائيلية تحريضية ممنهجة، بمجرد بدء عرضه في رمضان على شاشة “العربي 2″، حيث اعتُبر من قبل الإعلام الإسرائيلي “تحريضيًا” و”يؤجج الكراهية”، فقط لأنه يروي ما يحدث فعلًا في الضفة الغربية من جرائم احتلال وقصص مقاومة.
يُعد مسلسل “نزيف التراب“ من الاعمال الدرامية التي يتم تصويره بالكامل داخل الأراضي الفلسطينية، وتحديدًا في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، منها البلدة القديمة في نابلس، مخيم بلاطة، عصيرة الشمالية، بيت وزن، وبيت إيبا. رغم الاقتحامات المتكررة والصعوبات الأمنية، أصرّ فريق العمل على التصوير داخل فلسطين لتعزيز مصداقية العمل وربطه بالواقع الملموس.
المسلسل من تأليف أسامة ملحس، وإخراج بشار النجار، وينتمي إلى نوع الدراما الاجتماعية الواقعية. تدور أحداثه في قرية خيالية تُدعى “تلّ الصبر”، والتي تمثل رمزًا للقرى الفلسطينية المحاصَرة بالاحتلال والاستيطان. تشتعل حبكة المسلسل مع هروب أربعة أسرى فلسطينيين من أحد سجون الاحتلال، وما يترتب على ذلك من عمليات مطاردة وحصار، ودور الناس في حمايتهم.
من بين أبرز الشخصيات في العمل، تبرز “أم عسكر”، المرأة الفلسطينية التي تُخفي المطاردين في منزلها، وتتحول إلى رمزٍ للصمود الشعبي والاحتضان الاجتماعي للمقاومة.
يُسلط “نزيف التراب” الضوء على واقع الضفة الغربية كما لم تفعله أي دراما عربية من قبل: اجتياحات ليلية، استيطان، اعتقالات، اغتيالات ميدانية، وقصص مؤلمة من حياة الأسرى—وخاصة الأسيرات والأطفال—في سجون الاحتلال. المسلسل أيضًا يُجسد مشاهد واقعية من الوحدة الوطنية داخل المخيمات والقرى، حيث يذوب الانقسام وتعلو راية الدفاع عن الأرض والكرامة.
الحرب الإعلامية الإسرائيلية على “نزيف التراب“
ما إن بدأ عرض العمل، حتى بدأت الصحف والبرامج الإسرائيلية بشن حملة شرسة على المسلسل، واتهامه بأنه “أداة تحريضية تحض على العنف”. وقد وصل الأمر إلى حد تخصيص تقارير تلفزيونية كاملة لمهاجمة العمل ومخرجه، في محاولة لشيطنته وتشويه مضمونه أمام الجمهور الدولي.
لكن الهجوم الإسرائيلي هذا يعكس مدى تأثير العمل وقدرته على فضح الاحتلال، لأنه ببساطة يكسر الرواية الصهيونية التي طالما صُدّرت للعالم، ويقدم سردية شعب يعيش تحت القمع، لا مجرد “صراع متبادل” كما يدّعون.
عنف خارج الشاشة: الاعتداء على المخرج حمدان بلال
الاعتداء الإسرائيلي لا يتوقف عند التحريض الإعلامي، بل يتعداه إلى الميدان نفسه. فقد قام مستوطنون بالاعتداء الوحشي على المخرج الفلسطيني حمدان بلال، المشارك في إخراج الفيلم الوثائقي “لا توجد أرض أخرى“، الحائز على جائزة الأوسكار. حمدان تعرّض للضرب المبرح على رأسه وجسده، ثم اعتقله جنود الاحتلال من داخل سيارة الإسعاف التي كانت تقله، ولم يُعرف شيء عن مصيره.
هذه الحادثة تكشف عن عقلية الاحتلال تجاه الفن الفلسطيني: لا يُسمح له أن يروي الحقيقة، وإذا فعل، فصاحبه يُضرب ويُعتقل، تمامًا كما يُقمع المقاومون في الشوارع.
الحرب الإسرائيلية على الرواية الفلسطينية تتجاوز الكتب والمقالات لتستهدف كل شكل من أشكال التعبير: من الأغنية إلى الكاميرا، ومن المشهد التمثيلي إلى الفيلم الوثائقي.وكلما اقترب الفلسطيني من قول الحقيقة بلغة يفهمها العالم، اشتدت الهجمة عليه.