المربعانية والخمسينية.. التقويم الفلاحي في شتاء فلسطين
يزخر التراث الشعبيُّ الفلسطينيُّ بذاكرة ثريّة ومكانة كبيرة وإرث حيّ وفريد وخاص بفصل الشتاء، إن بالأمثال الشعبيّة والأهازيج والأغاني المتوارثة مثل «امطري وزيدي بيتنا حديدي، عمنا عبد الله رزقنا ع الله»، أو بالأدعية والأناشيد التي يستحضرها الفلّاح وقت شحّ المطر وقلة هطوله، فيُنشد: «يا رب ما هو بطر بنطلب منك مطر، يا رب ما هو غية بنطلب منّك مية»، أو حتّى بالتقسيمات والمسمّيات الشعبيّة المرتبطة بالشتاء، ومنها: «المربعانيّة» أو «أربعينيّة الشتاء» و «الخمسينيّة»،
لقد قسَّم الفلّاحون الفلسطينيون قديمًا فصل الشتاء إلى قسمين، الأول: «المربعانيّة»، وهي التي تبدأ في فلسطين وبلاد الشام عمومًا في 21 كانون الأول/ديسمبر من كل عام، وتستمرّ حتى بداية شباط/فبراير بمجموع 40 يومًا، وتمتاز بكثرة مطرها وشدّة برودتها ونهارها القصير وليلها الطويل، وتبدأ بما سُمِّي في تراث الطقس الفلسطيني “المعيب”، دلالة على شدّة بردها وخاصة ليلًا.
أما القسم التالي من أقسام «المربعانيّة» فقد سُمِّي “الفحل”، دلالة على كثرة المطر وغزارته، ومن تقسيمات «المربعانيّة» التي ينتظرها الفلّاح وينسج لها الحكايا والأهازيج والأمثال لأثرها الكبير على حياته وارتباطه بأهم الفصول بالنسبة إليه، أقسام ثلاثة: “الإكليل والقلب والشولة”، وهي مواقيت مرتبطة بظهور النجوم في السماء.
ومن تقسيمات التقويم الفلّاحي في فلسطين، ثانيًا، «الخمسينيّة» أو «خمسينيّة الشتاء»، وتبدأ مع انتهاء «المربعانيّة» في الأول من شباط/فبراير وتستمرّ 50 يومًا حتى 22 آذار/مارس، وتنقسم إلى أربعة أقسام، هي: «سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الخبايا»، كل منها يمتد إلى 12 يومًا ونصف، ومنها جاءت مجموعة من الأمثال الشعبية الفلسطينية المعروفة مثل «شباط ما عليه رباط»، وغيرها من الحكايا.
تتميّز هذه الفترة الشتائيّة في فلسطين بمطرها الغزير وجوّها المتقلّب، كما تنقسم إلى 3 جمرات أو مواقيت – في إشارة إلى اقتراب فصل الصيف، الجمرة الأولى هي (جمرة الهواء)، يكون فيها الهواء دافئًا، والثانية (جمرة المياه) التي يصبح الماء فيها دافئًا، والثالثة هي (جمرة الأرض) التي تبدأ فيها درجات حرارة الأرض بالارتفاع.
وفي «الخمسينيّة»، سبعة أيام سمَّاها أجدادنا بـ «المستقرضات» أو «أيام العجوز»، وعادة ما تأتي في نهاية فبراير وبداية مارس بمطر غزيز وبرد شديد ينخر العظم.
لا يقتصر تقويم الفلاح الفلسطينيّ وخصوصيّته في فصل الشتاء إذن على ارتباطه بالزراعة وخصوصية الأرض، ولا بكونه جزءًا بالغ الأهمية من الموروث الشعبيّ الفلسطينيّ بأبعاده المحكيّة وعاداته وتقاليده وتقسيماته، إنما يمتدُّ إلى الحياة الواقعيّة من الألبسة الشعبية الشتوية والمأكولات المرتبطة بالفصل المنتظر طوال العام، والعادات التي يكتنزها الفلسطينيُّ ويحافظ عليها محافظته على علاقته بتراثه وأرضه وذاكرته الممتدّة في كل أماكن تواجده داخل وخارج الأرض المحتلة.