“القدس أصل الحكاية”… لوحات فنية في غزة
وقفت الفتاة ديانا أبو الرُب وإلى جانبها صديقتها رهف أبو سيدو أمام لوحة “كنعانيات” التي رُسمت بالألوان الترابية، تتأملانها بشعف واهتمام، وقد ظهرت فيها مجموعة نسوة يرتدين الأثواب الفلسطينية، خلفهن قباب مدينة القدس، تحيط بها أسوار المدينة العتيقة.
تلك كانت إحدى اللوحات الفنية التي عُرضت ضمن المعرض التشكيلي “القدس أصل الحكاية”، للفنان الفلسطيني فايز الحسني، والذي نظمه مركز رواسي فلسطين للثقافة والفنون، وسط مدينة غزة، بحضور لفيف من الفنانين والمثقفين وأصحاب الرأي الفلسطينيين.
المعرض كان غنياً باللوحات الفنية ذات الألوان الترابية، والتي حاكت في مجملها مدينة القدس وما تتعرض له من إغلاق وسلب للحرية، إذ طغا على اللوحات مشهد النساء الفلسطينيات الحزينات والمكبلات، وفي داخل كل لوحة حمامة بيضاء، ترمز إلى الحرية المرجوة.
لوحة “حنين” كانت لفتاة فلسطينية تحتضن قبة الصخرة، وإلى جانبها لوحة “الوعد” لأم تضم طفلتها، تلتها لوحة “انطلاقة” تحتوي على شال سيدة فلسطينية تحوّل إلى بارودة ملونة تعكس ملامح قبة الصخرة، إلى جانب لوحة أخرى بعنوان “تحدي” اعتلت فيها حمامة بيضاء قبة الصخرة الأسيرة.
وعكست لوحة “القدس في السماء” جدار الفصل الإسرائيلي وقد تلوّن بالألوان التراثية الفلسطينية، وزخارف مدينة القدس. كذلك ظهرت في لوحة “الوداع” مجموعة نسوة فلسطينيات يحملن جثمان شهيد صغير، إلى جانبها لوحة “تناغم” التي ظهرت فيها حمامة ملونة بألوان العلم الفلسطيني، إلى جانب شعر فتاة فلسطينية، كما صورت لوحة “تناغم” شعر فتاة مسدل على أسوار القدس.
الموضوع والألوان ذاتها انسحبا على عشرات اللوحات التي ضج بها المعرض، إذ احتوت جميعها على نساء فلسطينيات، وحمامة بيضاء، بألوان ترابية، ظهرت في لوحات “مخاض، إلى متى، صهيل، وعد السماء، القيلولة، عودة الطائر، جذور، وجع الأرض، نظرة، صرخة، القدس الجريحة، العودة، وجوه شاحبة، العذراء، وغيرها”.
ويقول الفنان فايز الحسني، وهو أيضاً المدير العام لمركز رواسي فلسطين للثقافة والفنون، إن المعرض جاء نتيجة فكرة بأن تتحدث كل الأعمال الفنية عن القدس، وأن تعكس تفاصيل واقع المدينة القديمة، خاصة في ذكرى مرور 17 عاماً على انتفاضة الأقصى.
ويبين الحسني أن الأعمال الفنية شكل من أشكال المقاومة التي لا تقل أهمية عن الأساليب المختلفة للمقاومة، مضيفاً: “نحن نقاوم الاحتلال بطريقتنا الخاصة، وهي اللوحة الفنية التي تؤكد أن القدس حاضرة دائماً في الوجدان والعقل الفلسطيني”.
ويوضح لـ”العربي الجديد”، أن دمج المرأة الفلسطينية في معظم الأعمال الفنية يؤكد ديمومة دورها وأهميته، مضيفاً: “القدس أصل الحكاية تروي حكاية آلاف السنين، منذ كنعان حتى يومنا هذا، وتروي تفاصيل اغتصاب الاحتلال الإسرائيلي للأرض، ومحاولته تشويه ماضي وحاضر المدينة المقدسة”.
ويضيف الفنان الحسني: “استخدمت دلالات ورموزا عديدة في لوحاتي، ومنها الحصان، دليلاً على القوة، والمرأة التي تدلل على التشبث بالأرض، كذلك الأماكن المقدسة مثل القباب، الأقواس، القدس بكافة مرافقها، والتي توضح مدى ارتباطنا بالأرض والمكان”.
واستخدم الحسني أسلوب الرمزية في أعماله الفنية لإيصال أفكاره، بعيداً عن الأساليب المباشرة، وهو ما يؤكد استطاعة الفنان إيصال الرسائل عبر الأعمال الفنية. ويقول الحسني: “من خلال الرؤية البصرية يستطيع الفنان إيصال مفردات عديدة، تحاكي التجذر في الأرض، وأننا أصحاب هذه الحضارة عبر آلاف السنين”.
المصدر العربي الجديد