عصام نصار يتأمل «تاريخ الفن الفوتوغرافي في فلسطين»
استضافت دارة الفنون قبل أيام المؤرخ الفلسطيني د. عصام نصار الاستاذ في جامعة ايلينوي حيث قدم ندوة حول تاريخ الفن الفوتوغرافي في فلسطين بالتزامن مع معرض قائم للآن لمصورة فلسطين الاولى كريمة عبود.
واستعرض نصار نشأة وتطور الفن الفوتوغرافي في فلسطين وأبعاده الثقافية والسياسية والدينية والسعي من خلاله لتعريف الغرب بالعرب وثقافتهم وحياتهم اليومية حيث قال: «في بداية التصوير ارسلت بريطانيا مصورين لفلسطين بمهام مختلفة في عام 1839 حيث وجد اربع صور لها الا انها اختفت، لتظهر صورا اكثر لمصورين اوروبيين بعد عام 1844 والسبب الرئيسي لذلك القدسية الدينية للمكان ولفهم الانجيل بناء على طبوغرافية الارض ودراسة مواقع مسيحية انجيلية ذكرت فيه».
وقال ان أول من افتتح استوديو في المنطقة كان مصورا المانيا في اسطنبول ابان الفترة العثمانية ودرب عددا من المصورين الارمن ومنهم الاخوة عبدالله الذين اصبحا المصورين الرسميين للسطان العثماني، ولكن وضع الارمن اصبح مقلقا وغير مريح، فانتقلوا بعدها الى القاهرة أسوة بكثير من الارمن الذين ذهبوا الى مصر وفلسطين، ليتوالى بعدها افتتاح الاستوديوهات لمصورين اوروبين لسبب اوآخر ومنهم عائلة وبونفيس، حيث أتى الأب بأمر من الجيش الفرنسي بمهمة الى لبنان وافتتح فيها استوديو خاص ببيروت وبعدها اخذ يصور الشرق بمختلف معالمه ويبيعها للسياح والمهتمين، فقد كان بونفيس يكلف عددا من المصورين في مناطق مختلفة بمهام تصويرية ويوقع باسمه على صورهم المنتجة له، مع ان الكثير منهم كان مهتما بتصوير الناس وانواع الناس لاستخدام صورهم في امور المعرفة والدراسة والبطاقات البريدية والمعارض.
دور الأرمن
وتابع د. نصار حول دور المهاجرين لفلسطين في التأسيس للنشاط الفوتوغرافي «لا نستطيع ان نجزم من الذي وضع المعالم الاولى للتصوير بفلسطين، الا اننا نعتقد انه آساييغرابيديان الذي كان مولعابه وهو من ارسى قواعده الاولى، حيث كان بينه وبين الاخوة عبدالله مراسلات حول وسائل وادوات التصوير وهي محفوظة في الارشيف الارمني، بالاضافة الى مراسلات مع مصورين عالميين حول مواد الطباعة وتظهير الافلام، فقد اتى الى القدس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مديرا لمكتبة الارمنبكنيسة مار يعقوب بالقدس وبدأ هناك ممارسة هوايته الفوتوغرافية، الا انه عام 1862 انتخب ليكون بطريارك الارمن في القدس ومنصبه لايسمح له بالتحرك والتجوال بحرية لصفته الرسمية،ففتح مدرسة لتعليم التصوير وبالذات شباب الارمن وتخرج منها عددا من المصورين الاوائل الذين عملوا في فلسطين وعددا من المناطق العثمانية، وليس مستبعدا ان للأخوة عبدالله كان لهم دور في ذلك.
في عام 1885 افتتح غرابيدكريكوريان اول استوديو بالقدس وتخصص بالعمل المحلي وتصوير الحجاج وغيرهم، وهو من درب المصور خليل رعد وكان اول مصور عربي الذي افتتح استوديو خاص به بالقرب من باب الخليل، وبعدها افتتح عيسى الطوابيني اول استوديو في يافا».
وعن أجواء التصوير وقتها قال» كان المصورون يعملون بتنافس كبير ويتقاطعون في الاهداف وفي اوقات عمل مشترك، باصدار الكتالوجات فهناك كتالوج مشترك بتعاون عمل مابين كريكوريان وصابونجي، في حين ان الاخوين حنانيا هما من كانا يبيعان المواد اللازمة، ومنهم من استخدم الاعلانات بلغات مختلفة، فقد ظهر اعلان باللغة الالمانية للمصور تومايان عام 1907 انه ممكن ان تتصور وكأنك بدوي او فلاح او بلباس بيت لحم او الخليل، وكان الحجاج كسواح اليوم يحبون ذلك ويتهافتون عليه، حتى ان الاهالي تأثروا بهذا التقليع، واستغلت ذلك الصهيونية لتصوير الحياة اليومية في الترويج الى فكرة ان حياة اجدادهم كانت بهذا الشكل.فإنتاج الصورة لم يكن بالامر السهل،فالصورة تحتاج لساعتين عمل من لباس وتجهيز وتصوير، وبعد عام 1920 اقتضى على المواطنين استصدار بطاقات شخصية والمرفق بها صورة شخصية، الامر الذي ادى الى انتشار الاستوديوهات بشكل سريع وتحديدا بالقدسو يافا و حيفا، وبيت لحم لينتشر بعدها تقليد تصوير العرسان في الاستوديو وحفلات الزواج وتخريج المدارس واحتفالات الكشافة. «
التصوير والجاسوسية
وفي الحرب العالمية الاولى استخدم المصورون القوات العسكرية وتدريبهم وتكليفهم بمهام بمختلف المناطق، وظهر في القدس مصور امريكي اسمه جون ويتنغ حيث كان المصور الرسمي للهلال الاحمر العثماني إضافة الى خليل رعد بتكليف من القائد العثماني جمال باشا المكلف بتصوير الجيش، ليتبين حسب اعتراف ويتنغ انه كان جاسوسا للانجليز في مصر دون اي اشارة لمهامه، وقد لعبسلاح الجو النمساوي وكذلك الانتداب البريطاني دوراهاما بالتصوير الجوي لفلسطين.
كريمة عبود
يقول د. نصار «كنت اتساءل: لماذا كانت اول من مارس المهنة؟ قد يكون كونها لوثرية وهي ابنه قسيس جاء من لبنان الى الناصرة ثم بيت لحم وبالتالي جاءت من خارج البلد فلا يوجد اقارب او معارف يعيقونعملها بالاعتراض، او من يمارس عليها ضغوطات اجتماعية كونها فتاة، وكون اللوثرية كانت طائفة صغيرة آنذاك.
كان لكريمة اعلان تقول انها تعلمت على يد مصور محترف وليس من السهل ان نعرف من هو ذلك المصور، ولها صورة شهيرة مصورها من عائلة سابا، حيث عرف بفلسطين الاخوان سابا من المصورين المختصين بتصوير الحجاج بتصوير الحجاج اليونان والقبارصة وكان عددهم هائل في عيد الفصح، ولهذا السبب كانوا يوقعون باسم سفيدس بدل سابا، احتمال وليس من المؤكد أنهم هم من علموا كريمة التصوير. اما من صور الحجاج فهم الروس نذكر منهم انطون كارمي وأحيانا كان يوقع باسم كارمينوف.
صورت كريمة ابنة عمها ليديا بتقنيات عالية مع محاولة التلوين بالريشة، والفرق الجوهري مابين كريمة والمصورين المحليين ان المحليين كانت صور السيدات لديهم للاقتناء العام، اما كريمة فقد كانت صورها شخصية.»
المصدر : صحيفة الدستور الاردنية