فتيات “الدبكة” في غزة.. مواهب تدفنها ثقافة التقاليد
أيادٍ متشابكة ببعضها البعض، وأرجل ضاربة بالأرض، وأجساد مرتدية أثواب مطرزة بألوان زاهية تتمايل يُمنة ويُسره على وقع أغانٍ فلكلورية.. مشهد يسر ناظريه رغم النظرة المجتمعية الرافضة لممارسة البنات لهذا الفن الشعبي في قطاع غزة.
داخل إحدى قاعات مركز “العصرية الثقافي” التابع لاتحاد لجان العمل الصحي (مؤسسة أهلية) يتوزع الشابات والشباب بشكل مرتب، ليشرعوا بأداء حركات “الدبكة” على أنغام موسيقى فلكلورية.
و”الدبكة” هي رقصة فلكلورية شعبية منتشرة في بلاد الشام، وتعتبر موروث فلسطيني، ويصنفها الفنانون والموسيقيون بالفن “الملتزم” الذي يرتبط بالتراث والطابع الوطني
ورغم اعتبار الدبكة في فلسطين، وسيلة للنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، كونها تحمس الجماهير، إلا أن قطاع غزة كونه مجتمع محافظ، لا يقبل الكثير فيه، مشاركة المرأة في هذا الفن وينتقدها.
غير أن هذه الشابات اللاتي تجمعن في مركز “العصرية” تحدين تلك النظرة، ومارسن هذه الرقصة التي يعشقنها، ليضعن بصمتهن في فن بلادهن، ويثبتن أن “الدبكة” ليست للرجال فقط.
“روان المجدلاوي” (19 عاماً)، التي تعلمت هذا الفن منذ أن كانت في الخامسة من عمرها، تقول للأناضول إنه على مدار السنوات الماضية التحقت بمراكز لتعليم الدبكة، وانضمت إلى فرق فنية تقدّم عروضاً في المهرجانات المحلية والدولية.
وتشير المجدلاوي إلى أن الدبكة باتت تشكّل جزءاً من تفاصيل حياتها اليومية، لافتة إلى أنها لا زالت تسعى لتطوير هوايتها التي تحبها.
وتعرّضت المجدلاوي لمحاولات وصفتها بـ”غير الموفّقة” لتثبيط همتها وقتل حبها لممارسة الدبكة، من خلال توجيه كلام “لاذعٍ”.
وتُرجع النقد الذي يوجه لمشاركة الفتيات في “الدبكة” إلى ثقافة المجتمع الغزيّ “المُحافظ والمتدين”، والذي ترى أنه “مُنغلق وغير منفتح”.
وأمام هذه النظرة المجتمعية، وجدت الشابة دعماً من والديها للاستمرار في تطوير ذاتها في الدبكة، وتقول إن ذلك الدعم كان سلاحها في وجه تلك الانتقادات.
وتؤكد تمسكها بهذا الفن نظراً لاهتمامهاً بالتراث الفلسطيني وخوفاً من اندثاره ونسيانه على مدار الزمن بفعل العادات والتقاليد.
وبينما كانت تُدرّب مجموعة من الشبان على أداء الدبكة بشكل صحيح، تقول المجدلاوي:” لا زالت نظرة المجتمع ترفض مشاركة المرأة في مثل هذه المجالات، لو أردنا أن نضع نسبة بين عدد الشابات والشباب الذين أدربهم فقد تكون صادمة”.
وتُدّرب “روان” فرقة من 12 فرداً، منهم 5 إناث فقط.
وهنا تتابع قائلة: “الرفض للالتحاق بفرق الدبكة لا يواجهه الفتيات فقط، إنما الفتيان أيضاً”.
ومثّلت فرقة الدبكة (العصرية للفلكلور الشعبي) التي انتمت لها المجدلاوي، فلسطين في عدة مهرجانات أقيم بعضها في النمسا ومصر وألمانيا.
“سامر عطا الله” (26 عاماً)، والذي انتمى لفرقة “العصرية” منذ صغره، يقول إن فكرة مشاركة المرأة في رقصات الدبكة الملتزمة بالتراث الفلسطيني يرفضها المجتمع الغزيّ كونه مجتمع “محافظ”.
ويتابع في حديثه للأناضول: “تعرضت الفرقة للتوقيف عدة مرات من قبل الحكومة التي تديرها حركة حماس، إلا أننا استطعنا أن نحلّ مشكلة التوقيف، ونستمر في أعمالنا والمشاركة بالمهرجانات بمشاركة الشابات”.
وأرجع موافقة حكومة غزة على استمرار أعمال الفرقة المختلطة إلى إدراكها لضرورة وجود هذه الفرق الفنية التي تمثل فلسطين في المحافل الوطنية والدولية.
وتتكون فرقة “العصرية”، للدبكة من ثلاثة فرق فرعية، في كل واحدة حوالي 10 من كلا الجنسين.
وخرّجت الفرقة منذ تأسيسها عام 2003، أكثر من 250 شاب وشابة يجيدون فن “الدبكة”.
وتعتبر الفرقة، واحدة من عشرات الفرق التي تتخصص في تقديم عروض الدبكة بقطاع غزة.
وبحسب “سهيل الطناني”، منسق المراكز الاجتماعية في الاتحاد، فقد أرجع زيادة أعداد فرق الدبكة في غزة، خلال العقد الأخير، إلى اعتباراها “مهنة” توفّر دخلاً مادياً لعشرات الشباب المشاركين فيها، في ظل سوء الوضع الاقتصادي بغزة.
ولفت إلى أن مشاركة فئة النساء في فرق الدبكة بغزة لا زالت “خجولة”، نظراً لنظرة المجتمع “المحافظة”.
ويتكون فريق “الدبكة”، في العادة من عشرة أشخاص أو يزيد، ويترتب الأشخاص الذين يطلق عليهم “الدبّيكة” على شكل دائرة أو قوس، أو حسب تشكيلة معينة تنظّمها الفرقة ذاتها.
وتختلف الأزياء التي يرتديها راقصو الدبكات حسب المنطقة التي تعود إليهه أصل الدبكة، لكنها –غالباً- تستوحى من التراث وأزياء الريف.
ويعتبر السروال الفضفاض والقمصان وغطاء الرأس المصنوع من قماش الكوفية زيّ الدبكة لدى الرجال، وأما الثوب الملون أو الأسود الطويل الذي يغطي كامل جسدها والمطرز بالخيوط الذهبية فهو زيّ الدبيكة من النساء.