“قول يا طير”.. ساعة وذكرى زفاف وحكايات تهجير (معرض)
“رحلت عبلة التميمي وبقيت ساعتها الماسية، أخبئها كجوهرة فيها سحر حيفا، وأتفقدها بين يوم وآخر لأني أخاف ضياعها..” هكذا عرّفت مها التميمي بالقطعة الوحيدة التي حملتها والدتها أثناء تهجيرها من حيفا عام 1948، وتصدر حضورها وحكايتها معرض “قول يا طير” في رام الله.
تقول مها “إن دقات قلب أمها ودقات ساعتها حاضرة في ذاكرة فردية وجمعية بانتظار حلم العدالة الجميل”. ويذكر المعرض أن عبلة التميمي عندما أصيبت بالزهايمر في نهاية حياتها لم يذكّرها بماضيها وعائلتها في حيفا سوى ساعتها الماسية.
محتويات وشهادات
الساعة وأغطية مطرزة ورّثتها إسعاف الجراح لابنتها المقيمة بلندن كإحدى مشغولاتها في عكا قبل التهجير، وثوب زفاف لعروس من المدينة الساحلية ذاتها يعود لعام 1945 وقلائد فضية وصور وجوازات سفر وربطات عنق، وحكايات كثيرة قدمها معرض “قول يا طير” الذي افتتحته مؤسسة الرواة للدراسات والنشر برام الله قبل أيام لتوثيق قصص الفلسطينيين المهجرين قبل وبعد النكبة.
ويقدم المعرض شهادات 115 فلسطينيا هجروا إما داخل فلسطين أو إلى دول كالأردن ولبنان ومصر وتشيلي، ومن هذه الشهادات ست روايات وثقها كتاب “ذاكرة حية” للباحثة والكاتبة فيحاء عبد الهادي صدر على هامش المعرض.
ويقدم الكتاب روايات مفصلة عن حياة المهجرين قبل النكبة وحوادث تهجيرهم ومقاومة قراهم ومدنهم، ويعرض صورا لمقتنياتهم كجوازات سفر قديمة ووثائق ملكيات أراضيهم في فلسطين وألبومات لعائلاتهم قبل عام 1948.
وبدأت فكرة المعرض والقصص التي يوثقها “الرواة” فيما سمي “مشروع توثيق التهجير” منذ عام 2012، وافتتح “قول يا طير” في نسخته الأولى بالعاصمة الأردنية عمان في يوليو/تموز الماضي، قبل افتتاحه في رام الله، ويستمر حتى الثالث والعشرين من أغسطس/آب الجاري.
توثيق قصص النكبة
تكتب فيحاء عبد الهادي، وهي القائمة على مؤسسة الرواة ومشروع التوثيق “قول يا طير”، في مقدمة شعرية تختصر غاية نشاطها التوثيقي “أقص حكاياتي، ألوي عنق الزمن، أعصر ماضي، أكون”.
وتقول فيحاء إن المعرض يحاول إعادة عرض روايات المهجرين بعد نحو سبعة عقود على النكبة، وإحياء ما حدث لإبقائه حيا في الذاكرة الجمعية. وهو “مجهود يلملم الرواية الفلسطينية عن حياة شعب في أرضه قبل تهجيره، متحدية محاولات تغييبها بروايات إسرائيلية زائفة”.
وتتبع الحكايات التي وثقها بالصوت والصورة عدد من الباحثين، رحلة تهجير أصحاب الروايات منذ النكبة وحتى مقابلتهم، ومنها قصص زواجهم وولادة أطفالهم وعاداتهم وتقاليدهم وانخراطهم في مقاومة العصابات الصهيونية، ثم مصيرهم الذي لاقوه في رحلة اللجوء والحرمان.
تقول فيحاء إن المشروع حاول الوصول إلى فلسطينيين لم توثق قصصهم من قبل وخاصة في دول الشتات ومهجري المناطق المحتلة عام 1948 والقدس الذين طردوا إلى مناطق ليست بعيدة عن قراهم ومدنهم الأصلية.
وحسب الباحثة، فإن خيطا واحدا جمع كل هذه الروايات الموثقة هو أن معظم الفلسطينيين كانوا مستقرين في بلادهم وسعداء بذلك ولم يفكروا بالهجرة، وأن رواياتهم تؤكد حقيقة تهجيرهم بالقوة، ولكن بعد مقاومة شديدة كرواية رشيدة فضالات اللاجئة بمخيم البقعة في الأردن عن قريتها (عراق المنشية) قضاء غزة والتي قاومت عشرة شهور قبل تهجيرها. إلى جانب إصرار كل المهجرين على حقهم في العودة إلى ديارهم.
حكاية الطير
واستوحي اسم المعرض من قصة ” قول يا طير” التي حملها المؤرخ الفلسطيني شريف كناعنة في كتاب شهير بالعنوان ذاته. وروى كناعنة خلال تجواله في المعرض حكاية الطير التراثية عن طفل تقتله زوجة أبيه، وعندما تدفنه يخرج من التراب على شكل طير ليحكي عما تعرض له من ظلم، ويطالبه الناس منادين “قول يا طير ما أحلى قولك”.
وكان الطير في كتاب كناعنة رمزا للشعب الفلسطيني، ولنداء أبنائه بالعودة لتكتمل روايتهم عن أرضهم بعناقها. يقول كناعنة “يعني ارجع وقول حكايتك وغني وارفع صوتك”.
يرى كناعنة أن الحكاية لا تعيد شعبا إلى بلده، لكنها تحافظ على الذاكرة الجمعية وهي بدورها تحافظ على هوية الشعب الفلسطيني، والهوية تساعد على التمسك بالحقوق.
وإلى جانب توثيق حكايات المهجرين، تسعى فيحاء وفريقها إلى توثيق سير نساء فلسطينيات رائدات عبر مشروع بدأته بالفعل عام 2013. وكذلك مشروع روايات جرحى العدوان على قطاع غزة عام 2014.
وتنشط باحثات مركز الرواة في مشروع “فضة زمان” الذي يسعى لتوثيق ما كانت ترتديه الفلسطينيات قديما وإعادة إنتاجه في حلي مماثلة مستلهمة من التراث.
المصدر : الجزيرة