الفنانة التشكيلية تمام الأكحل توقع كتابها “اليد ترى والقلب يرسم”
وقعت الفنان التشكيلية تمام الاكحل أول من أمس في منتدى الرواد الكبار كتابها “اليد ترى والقلب يرسم”، الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ببيروت.
الكتاب الذي قام بتحريره غانم بيبي، وكتب مقدمته الروائي اللبناني إلياس خوري، عبارة عن مذكرات الأكحل، ورحلتها الشخصية والفنية مع زوجها الفنان الراحل إسماعيل شموط، حيث قدما دورا تأسيسيا في الفن الفلسطيني الحديث وصنعا أيقونة النكبة الفلسطينية. قامت الأكحل وزوجها بدور سفراء للفن الفلسطيني في دول العالم، حيث عرضا لوحات تمثل الجرح الفلسطيني والألم الفلسطيني والتاريخ الفلسطيني.
ويذكر إلياس خوري في تقديم الكاتبة أن الأكحل تروي “حكايات النهاية التي صارت بداية، ففي ذلك الليل الفلسطيني الطويل لم يبق سوى ضوء الإرادة، وألق التمسك بالحياة. من خيوط هذا الضوء أعادت الفلسطينيات والفلسطينيين نسج حكايتهم وبناء حياتهم وتأسيس ثقافتهم”.
واعتبر خوري أن الحكايات التي نثرتها الفنانة على صفحات كتابها “تفتح لنا نافذة نطل منها على البدايات، وكيف تحول ركام البلد إلى حجارة بنت وطنا منفيا من وطنه، فصار وطن جميع الفقراء والمضطهدين في العالم العربي وفي العالم”.
قالت الاكحل في الحفل الذي شارك فيه الشاعر ووزير الثقافة الأسبق جريس سماوي إنها حاولت في كتابها ان تضيء جوانب من سيرتها الشخصية وسيرة زوجها الفنان الراحل إسماعيل شموط. تقول “منذ طفولتنا حاكت فلسطين بدايات كل منا ثم جدلتها معا في حكاية مستمر واحدة، حتى رحيله”.
ويتضمن الكتاب شهادة نادرة عن زمن الخروج من يافا بعد النكبة وتأسيس رؤية فلسطينية، وتسجل تاريخ الفن التشكيلي الفلسطيني منذ بداياته وحتى اكتمال شبابه، وتشهد بالريشة واللون على عذابات الفلسطينيين النازحين ونضالات الشعب الفلسطيني.
تحدثت الاكحل عن طفولتها وطفولة شموط قائلة: إن كل إنسان يخلق، تخلق معه موهبة فنية، وهناك ظروف تعمل على صقل هذه الموهبة او تراجعها، مبينة أنه تم الاعتناء بموهبتها من صغرها، بينما طفولة شموط كانت صعبة وقاسية بعض الشيء، لكنه تحداها وعمل على تذليلها فنجح، فقد تحدينا كل شيء حتى وصلنا إلى ما وصلنا اليه.
وأشارت الاكحل إلى ان الطفولة تشكل المساحة الواسعة في ذاكرتها، كما ان ذكرياتها لا يمحوها الزمان ولا المكان، مبينة أن ذاكرة طفولتها لها الدور الكبير في حياتها وحياة زوجها.
جريس سماوي رأى ان الفنانة الأكحل تضيف الى رصيدها كتابا مهما يؤرخ تجربتها الشخصية، وتجربة زوجها الفنان الراحل اسماعيل شموط، ويحمل الكتاب في طياته تاريخ أمة وشعب وقضية انسان في هذه الارض على مدى المائة سنة الماضية من عمر أمتنا ذلك القرن الذي شهد انزياحات كبرى في تاريخنا وانهيارات.
وتحدث سماوي عن علاقته مع الاكحل وزوجها عندما التقاهما اثناء عمله في التلفزيون الاردني، عندما كانا يقيمان معرضهما، و”كانت لوحاتهما قد سبقتهما إلى ذاكرتي اثناء دراستي في أميركا من خلال العمل الطلابي آنذاك واشتهرت لوحات شموط وسليمان منصور والاكحل وغيرهم”.
ورأى سماوي ان الدارسين من علماء النقد الجمالي الذين يعتمدون المنهج النفسي في النقد، لو قرأوا تجربة الفنانين الاكحل وشموط مستخدمين نظريات علم النفس لوجد هؤلاء مادة خصبة فيما يتعلق بتماس الإبداع الذكوري والنسوي بما يختص بالتطابق والاختلاف والتراوح بين نظرتين مختلفتين إلى اللون والحركة والضوء والظل وما تتيحه الرؤى الجمالية لعين الرجل البصرية وعين الأنثى البصرية.
واشار سماوي إلى فضاءات التي يحملها الكتاب وتضيء تجربة الفنية العميقة لهذه الفنانة في تقاطعها مع شريكها في الإبداع والحياة والحلم، مبينا أنه في فقرات من الكتاب ترسم لنا الفنانة شكل البناء ذي الاقواس المطل على البحر واهتمامات الناس الاقتصادية والتجارية والبهجة التي كان ينعم بها الفلسطيني في مكان من اجمل الأمكنة على الأرض والحرب الكونية الثانية على وشك الانتهاء.
تتحدث الاكحل، وفقا سماوي عن برتقال يافا، الذي يتحول فيما بعد إلى لونا رئيسا في لوحاتها الفنية إلى رمز وطني يرمز إلى الوطن، والحكاية كلها، وتنتقل بنا في هذا الكتاب تنقلات مكانية وزمانية سريعة ورشيقة، فهي بعد أن تحدثنا عن طفولة بهيجة في يافا تنتقل للحديث عن التحصيل الدراسي ثم الذهاب إلى القاهرة لتحصيل الدراسات العليا، ثم القاهرة التي تشكل عندها محطة مهمة ومفصلية في حياته الفنية.
وخلص سماوي إلى طيات الكتاب تخبرنا عن رحلة لروحين عبرا معا برزخ العذاب الفلسطيني يدا بيد كي ينتصرا على الموت والغربة والمنفي والخسارات، هما الاكحل وشموط ولم يكونا وحدهما، بل كان حشد من ضمائر الشعب الفلسطيني والعربي يرقب هذين العاشقين الأبديين السائرين في اتجاهين متضادين كما كانا يفعلان في مرسمهما في عمان.
وكانت قد أشارت هيفاء البشير إلى أن مذكرات الاكحل وشموط تعكس معاناة الشعب الفلسطيني وخاصة زمن الخروج من يافا بعد النكبة، فقد مر كل واحد منهما بتجارب عديدة صقلت روحه وتركت في أعماقه الكثير من التساؤلات والمشاهد المؤثرة التي ترجمها عبر لغة اللون واللوحة، فالكتاب حمل الكثير من الشجون والمآسي.