الفنانة الفلسطينية فرح نابلسي : زيارتي لفلسطين غيرت حياتي وقررت أن أقاوم عن طريق الفن
في الذكرى الخمسين لاحتلال الأرض الفلسطينية وبدعوة من بعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة عرضت المنتجة والمخرجة السينمائية الفلسطينية فرح نابلسي ثلاثة من أفلامها القصيرة أمام عدد كبير من الحضور. وحول تجربتها السينمائية حديثة العهد تقول «كنت أعتقد أنني أفهم معاناة شعبي الفلسطيني إلا أن زيارتي للأراضي الفلسطينية المحتلة غيرتني بطريقة عميقة وشاملة وتوصلت إلى قناعة مفادها أن تقديم التعاطف وأحيانا المساعدة الخيرية لا يكفي. لأكثر من قرن والشعب الفلسطيني يعاني من محيطات من الظلم ولكن عندما تزور فلسطين المحتلة تعرف أن الاحتلال أمر مخطط له ومتعمد ومنظم ومؤسسي وتعرف كذلك أن ما يجري هو استعمار استيطاني إحلالي. وأتمنى أن تقدم أفلامي ومضة لما يعاني منه الفلسطينيون، نساء ورجالا وأطفالا، من إذلال وألم وقهر كل يوم على أيدي حاملي تلك الايديولوجية الكولنيالية».
ولدت فرح نابلسي في لندن لأب فلسطيني تشرد من وطنه وانتهى به المطاف مواطنا في المملكة المتحدة منذ عام 1970 واستطاع أن يوفر لأولاده ما حرم منه شخصيا وهو الاستقرار والجنسية والتعليم. قامت بزيارة للأرض الفلسطينية المحتلة عام 2013 فصدمت بما شاهدت وخاصة الطريقة التي يعامل بها أطفال فلسطين فقررت أن تستخدم الكاميرا وبطريقة إبداعية في نقل معاناة الشعب الفلسطيني وأطلقت موقعها الإلكتروني عام 2016 ليكون المنبر الذي توزع من خلاله أفلامها القصيرة.
○ ما الذي جاء بك إلى ميدان الأفلام وإنتاجها؟
- زرت فلسطين لأول مرة عام 2013 جعلتني تلك التجربة أكثر تواضعا وتأثرا بما رأيت. تعتقد أنك تعرف الكثير عن الوضع هناك ولكن عندما تذهب وتراه بنفسك تكتشف أن أمورا كثيرة تخفى عليك فتتغير كثيرا. عدت من تلك الرحلة ولدي شعورعميق وإحباط كبير بما شاهدت وقلت لنفسي لا بد أن أعمل شيئا ما لمساعدة هؤلاء الناس.
○ ما هي الأماكن التي زرتها في فلسطين؟
- لم أترك مكانا لم أزره ما عدا غزة. حاولت أن أزور غزة عن طريق وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ولكن هذا يتطلب إذنا خاصا من السلطات الإسرائيلية.
○ وهل توصلت إلى قناعة أن الفيلم القصير وسيلة قوية وعميقة التأثير؟
- بالضبط. في البداية قلت الفن بشكل عام قبل أن أختار الفيلم كوسيلة تواصل. لأن الفن يخاطب القلوب. قررت أن يكون الفن هو وسيلتي. فاخترت الفيلم لسهولة نشره وتوزيعه ونحن نعيش العصر الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي ويمكنك أن تكون مبدعا وخلاقا في إنتاج الأفلام. طموحي ليس فقط إنتاج هذه الأفلام الثلاثة بل إنتاج عدد كبير من الأفلام تتناول مجالات عديدة من المعاناة.
○ إذن هذه الأفلام الثلاثة هي البداية فقط؟
- نعم. لدي سيناريوهات لأفلام أخرى تتناول أوجها للظلم الذي يطال الفلسطينيين وحتى موقعي الشبكي أطلق عليه «محيطات الظلم». سترى مقطوعات عن الاعتقالات الإدارية، وعن اعتقال الأطفال وتدمير الزراعة والجدار العازل وغزة، والحرمان من الطفولة والتعليم.
○ أفهم أن لديك مشروعا متكاملا حول معاناة الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال؟
- نعم، أريد أن أنتج لوحة فسيفساء كبيرة كل قطعة فيها تشير إلى احدى ممارسات الاحتلال وانتهاكات حقوق الإنسان باستخدام وسيلة الفيلم للوصول إلى الناس عن طريق الفن.
○ لاحظت أنك تستخدمين الرمز كثيرا.
- جاءت الرمزية بشكل طبيعي. عندما عدت من زيارتي لفلسطين المحتلة شعرت بالفعل أنني أغرق. المسألة ليست فقط شكلا واحدا من أشكال الظلم. ليس فقط هدم البيوت، أو اعتقال الأطفال. شعرت أن كل هؤلاء الناس في حالة غرق فلا أرجلهم تلامس القاع ولا أجسامهم تستطيع أن تطفو لمدة طويلة. انه شعور إنساني يعيشه كل من يكون على وشك الغرق. أردت أن أخلق حالة من الشعور الإنساني العابر للحدود والثقافات والخلفيات. فعندما عرضت هذا الفيلم على متفرجين من الغرب شعرت بتأثيره العميق. سيدة أمريكية لا تعرف كثيرا عن فلسطين كانت تنتحب عند مشاهدة الفيلم وقالت «لقد قتلني ذلك الفيلم لأنني لا أعرف السباحة». فمشاهدة هذا الفيلم وتلمس الضيق الذي يعيشه من يكون على حافة الغرق وبالتالي الشعور مع تلك الحالة الجماعية التي يعيشها آلاف من الذين يوشكون على الغرق تستطيع أن تنقل الرسالة بقوة وتأثير كبيرين. ان هذا الفيلم يخاطب المشاعر العامة التي تجمعنا ولا يلتفت لما يفرقنا.
○ في «كابوس غزة» الحضور أصبح جزءا من الفليم عندما قلت لهم أغلقوا عينوكم واسمعوا. أهذه طريقة مبتكرة في صناعة الفيلم الصوتي الخالي من الصور؟
- كتبت سيناريو الفيلم في صيف عام 2014 عندما كانت تتعرض غزة لقصف شامل من قبل جيش يعتبر من أقوى جيوش العالم. كتبت ملاحظاتي ولم يكن في ذهني أن أعمل فيلما حولها. وعندما قررت أن أفعل ذلك سألت نفسي أي نوع من الصور سترافق هذا السيناريو وهل أصوات القصف بحاجة إلى صور. وكما يقال فإن حاسة السمع هي الأقوى من بين الحواس. وعندما سجلته فيلما صوتيا اقتنعت أنه فيلم قائم بذاته دون صور ويتيح للمشاهدين أن يضعوا تخيلاتهم وصورهم هم. انه نوع من التفاعل مع الجمهور وفرصة أن يشارك في هذه التجربة المُرّة على المستوى الفردي. الحقيقة أن تجاوب الجمهور الغربي مع الفيلم كان أقوى من تجاوب العربي لأنهم تعودا على أسلوب الفيلم الكلاسيكي بالصوت والصورة.
○ ماذا عن الفيلم الثالث «اليوم اعتقلوا ابني» هل حاولت أن تتواصلي مع الجيل الأصغر سنا؟
- ليس بالضرورة. الحقيقة أن العمر في أفلامي ليس له مكان. الفيلم عن الأطفال لكنه يستهدف الناس كلهم لأن كل إنسان في حياته طفل. أطفالك أنت أو أطفال أختك أو أخيك… كل الناس يندرجون تحت يافطة حب الأطفال. أفضل دعم لأفلامي جاء من سارة روي، اليهودية الأمريكية والباحثة والناشطة المتحدرة من عائلة ناجية من المحرقة النازية، قالت تعليقا على الفيلم «انها مصيبة بعد كل ما وقع للفلسطينيين من مآس ما زالوا مضطرين أن يعملوا على أنسنة أنفسهم». الفيلم عن أم وابنها الكل يتعاطف معهم لا لكونهم فلسطينيين بل لأنهم مجرد أم وابنها والفيلم يدعونا لنشعر بألمهما ونتبنى موقفهما كضحايا ليس بسبب جنسيتهم بل بسبب إنسانيتهم.
○ ما هو مشروعك للمستقبل؟
- عندي الآن ثلاثة سيناريوهات جاهزة وعدد آخر من الأفلام كلها قصيرة وتتناول أحد جوانب المعاناة ويتناسب مع لوحة الفسيفساء التي تحدثت عنها والتي أريد أن أقدم للمشاهدين أجزاء منها تباعا لأسهل على الناس فهم تفاصيل الاحتلال والمعاناة التي يعيشها من هم واقعون تحت الاحتلال.
○ أفهم أن جمهورك المستهدف أصلا هو المجتمعات الغربية؟
- سوق أفلامي الأساسي هو الغرب والعرب في الغرب وتهدف أساسا إلى تحريك الشعور لديهم بضرورة العمل والخروج من الشعور السلبي بالعجز والتعبير فقط عن التعاطف.
○ هل تتابعين الحركة السينمائية الفلسطينية التي أوصلت عددا من الأفلام للترشح للأوسكار أو الغولدن غلوب؟
- بالتأكيد. السينما الفلسطينية وخاصة في العقد الأخير بدأت تدفع بعدد من الأفلام، لكن في معظمها أفلام طويلة. ومن الصعب عمليا توزيع الأفلام الطويلة. لا أريد أن أقع في هذا المطب. الأفلام القصيرة تعطيني فرصة ومرونة كفنانة أن أتكلم عن كافة وجوه الاحتلال وتعبيراته وتجلياته. بالنسبة لي أطرح فكرة في خمس دقائق أو عشر. أمامي الآن مشروع إنتاج 27 فيلما وبين يدي ثلاثة على وشك إنتاجها.
- المصدر : صحيفة القدس العربي