من التراث الشعبي إلى الزجل والنشيد والثورة.. أغاني الانتفاضة الأولى 1987
ما زالت أغنية الانتفاضة الفلسطينية الأولى حاضرةً بعد 35 عامًا من اندلاعها، بحضور الأغنية والأنشودة الفلسطينية بأشكالها كافّة في الوعي الجمعي وتأثيرها البالغ في النضال والمقاومة، منذ ما قبل النكبة حتى يومنا هذا، ما يعزز التراث الغنائيّ الفلسطينيّ والوطنيّ، من الميجانا والعتابا وظريف الطول إلى “طالعلك يا عدوي طالع” و”طل سلاحي من جراحي”، إلى أغاني “وين الملايين”، و”انزلنا ع الشوارع”، و”ثوري ثوري”، و”سبّل عيونه”، وأناشيد “يا إمي الحنونة يا إمي”، و”احتار القلب واحتارت العيون”، و”كرمال عيون الوطن”، وغيرها.
وما مَيَّز أغاني الانتفاضة الأولى هو ظهور الأناشيد والفرق الإنشادية خاصة في الشتات، وفي الأردن تحديدًا، مثل فرقة اليرموك التي ما زالت فاعلة حتى اليوم، واشتهرت خلال الانتفاضة بألبوم “أمي الحنونة” الذي شكّل وعي الجماهير ومَثّل رسالة “اليرموك” في تلك المرحلة، إضافة إلى فرق أخرى مثل فرقة الشهداء والفوارس والبراق والغرباء وغيرها، كما تميّزت “انتفاضة الحجارة” بظهور فرق فلسطينيّة داخل وخارج الأرض المحتلة، مثل: فرقة صابرين والرحالة ويُعاد والطريق وبلدنا، وفنّانين مثل: وليد عبد السلام ومصطفى الكرد، إضافة إلى فنّانين عرب، مثل: الشيخ إمام ومارسيل خليفة وأحمد قعبور وخالد الهبر و جورج قرمز وغيرهم.
ومما أنتجته الانتفاضة من حالة غنائيّة بارزة في الأرض المحتلة، كان مزج التراث الشعبي الفلسطيني بالأغنية النضالية، وهو ما أسّسته فرقة الفنون الشعبية التي قدّمت أغانٍ تراثيّة ارتبطت بالانتفاضة، وحظيت بانتشار واسع في الضفة الغربية خصوصًا، مثل: “مشعل”، “وادي التفاح”، و”زريف”، كما ظهر الزجل الفلسطيني واحدًا من سمات أغنية الانتفاضة، ومنهم الزجّال ثائر البرغوثي بأغنيات عدة، منها: “شدّي انتفاضة”، و”نزلوا صبايا وشباب”.
وصعدت روح الانتفاضة في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، بغناء فرقة “يُعاد” الجليليّة أغاني فرقة العاشقين، التي انتشرت على نطاق واسع في جميع قرى ومدن الأرض المحتلة مع بداية الانتفاضة، إضافة إلى أغاني فرقة صابرين “عن إنسان”، و”دخان البراكين” وغيرها، التي كانت ابنة الرامة الجليليّة، الفنانة كاميليا جبران مغنّيتها الرئيسيّة، لتتجلّى بعد ذلك حالة غنائية جديدة وفريدة في الداخل، وكان الصوت النسائيّ بارزًا فيها، إذ بدأت على إثرها مسيرة 3 من أهم فناني الأرض المحتلة، الفنانة الراحلة ريم بنّا، والفنّانتين أمل مرقص وريم تلحمي.
لقد بلور مزيجُ الأغنية التراثيّة والزجليّة والثوريّة والنشيد الهادف والرصين، المكانة الفنّيّة والغنائيّة للانتفاضة الفلسطينيّة الشعبية عام 1987، ورسّخ وعي الفلسطينيّ بحتميّة النضال وأهمية الأغنية والأنشودة معًا، في توثيق هذا الوعي بالصوت واللحن، وتشكيله وتعزيز الروح الوطنيّة في جيل الانتفاضة، والأجيال القادمة، وهو ما بدا جليًّا في كم الأغاني والأناشيد باختلاف أنماطها وتوجهاتها، وما تعمل عليه قناة فلسطيني اليوم هو استمرارٌ لنهج الأغنية والفن الفلسطينيّ الأصيل هذا، الذي يُوجّه الوعي الفلسطينيّ والعربيّ إلى عدالة قضية فلسطين وإبرازها في مقدمة القضايا عربيًّا وعالميًّا.